التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 288 - الجزء 4

  


  وأكد تعالى التوصية بالكبيرين، فقال تعالى {إِمَّا يَبْلُغَنَّ} أي إن يبلغ {عِنْدَكَ الْكِبَرَ} أي إن يبلغ أن يكبر في السن ويصير في الضعف والشيبة {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} وقول القائل: أفٍّ كلمة تضجر، كقول إبراهيم #: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}⁣[الأنبياء: ٦٧] وقوله تعالى: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا} أي لا تزجرهما بمغالظة.

  وقوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} يوجب تكليمهما فيحرم السكوت، ويوجب قولاً طيباً كريماً والكرم ضد اللؤم، فهو قول يحمد عليه قائله لأنه إحسان إليهما من جنس إحسان أهل الكرم.

  قال الشرفي في (المصابيح): «قال الإمام أحمد الناصر - يعني ابن الهادي - #: هذه وصية من الله تعالى سبحانه في الوالدين أن لا يقطعا ولا يجفَى بهما، وأن يُحسن إليهما جزاءً بما أحسنا، وأن يُحفظا كما حَفظا ويُكرما كما أَكرما، ويُربَّيا كما رَبَّيا، رحمة منه ø وتأديباً لخلقه، وتنبيهاً على الصواب، ليجزيهم على ذلك الجنة، ويوجب لهم الكرامة {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} والأف: فهو التأفيف في لغة العرب المعروفة، وهو: التأذّي والإستثقال» انتهى المراد، وقوله: وهو التأذي والإستثقال، يعني: التعبير عن التأذِّي والإستثقال بقولهم: {أُفٍّ}.

  وقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي تواضع وتذلل لهما من رحمتك لهما بسبب ضعفهما من الكبر، و {جَنَاحَ الذُّلِّ} الجناح المعبّر عن الذل لهما، كأنه قد جعل للذل أي للدلالة عليه والتعبير عنه وذلك بخفضه، والخفض ترشيح لإثبات الجناح، وقوله تعالى {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} أي ارحمهما جزاءً عني {كَمَا رَبَّيَانِي} كما أحسنا إلي بتربيتي {صَغِيرًا} أي حال كوني صغيراً في ضعف الصغر.