التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 293 - الجزء 4

  


  وأما إضاعة المال وإتلافه في غير فائدة فلأنه استخفاف بالنعمة وتحقير لها وذلك مطابق لغَرَض الشيطان؛ لأنه قال: {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}⁣[الأعراف: ١٧] فالشيطان يحب تحقير النعمة وإهانتها، والمتلف للمال في غير فائدة مطابق لغرض الشيطان، فهو مؤاخ للشيطان على كفر نعمة الله، ولذلك قال تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} أي كفوراً لنعمة ربه والمبذر أخوه على كفران نعمة ربه، ألا ترى لو أن إنساناً أعطاك ثوباً جيداً لتلبسه فأحرقته، لكان ذلك استخفافاً بالثوب وتحقيراً لَه، وكفراً لإحسان الذي أعطاك، يغضب منه إذا كان حاضراً.

  (٢٨) {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ} أي وإن تعرض {عَنْهُمُ} أي عن ذي القربى، والمساكين، وابن السبيل {ابْتِغَاءَ} أي لأجل {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ} والإعراض عنهم ابتغاء رحمة قسمان:

  القسم الأول: إذا كانوا فجاراً، فهو يعرض عنهم تقرباً إلى الله.

  القسم الثاني: إذا كنت مشغولاً بصلاة أو قراءة وأنت إذا أعطيتهم تفوت عليك الجماعة أو الدرس أو نحو ذلك {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا}.

  أما القسم الأول: فلئلاَّ يكون الإعراض قطيعة ورفقاً بالمسكين وابن السبيل وهذا مع إعطائهم ما يحسن إعطاؤهم إياه أو مع منعهم لعذر، وهذا إذا لم يكن قوله: {تُعْرِضَنَّ} كناية عن ترك إعطائهم، فإن كان كناية عن منعهم للعذر الديني كإيثار من هو أحق فالقول وحده.

  والقول الميسور: هو الإعتذار والعدة لحال الفراغ من الشاغل إن أمكن ذلك أو نحوه، ومعنى ابتغاء الرحمة: طلبُها، والتوصل إليها بالإعراض عنهم أو بلازم الإعراض، والميسور: ضد المعسور، فالميسور الذي جعل يسراً للمخاطب وتخفيفاً من عسر حاله.