سورة الإسراء
  عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ٨٣ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ٨٤
  وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح: ١٠] فيتعظون به من حيث هو تأكيد لكونهم يبايعون الله بمبايعتهم لرسوله ÷ وهكذا في سائره وفي بعض المتشابه إذا كان بعضهم لاينتفع به؛ لأنه لايفهم المراد بذكره فهو ينتفع به من يفهمه من المؤمنين.
  وقوله تعالى: {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} أما الكفار والمنافقون فقد حقق الله زيادتهم خساراً في قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}[التوبة: ١٢٤ - ١٢٥] وهذا كما تكون النعمة زيادة خير للمؤمنين؛ لأنهم يشكرون وسبباً لزيادة رجس الفجار؛ لأنهم يكفرون النعمة ويبطرون ويظلمون، فالشيء الواحد من الخير يكون خيراً للمؤمن وشراً للكافر والمنافق؛ لأنه يجعله سبباً لفساده فهو يفسد من حيث يصلح المؤمن، وفي هذه الآية التي نحن في ذكرها دلالة على ذلك بيِّنة والحمد لله.
  (٨٣) {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} النعمة هنا هي المعهودة عند أكثر الناس فهي العافية والقوة والأمن وزيادة الرزق، أو هي زيادة الرزق وحدها، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ}[الشورى: ٢٧] وأطلق الإنسانَ هنا لأنه الأغلب، كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ}[سبأ: ١٣] ولأن أصل الإنسان هكذا، وإنما يصلح من صلح فيخرج عن هذه الطبيعة بالمعرفة