التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 352 - الجزء 4

  فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا ٩٩ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ١٠٠ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى


  الدالة على قدرته تعالى وعلمه وآياته الدالة على صدق رسوله ÷ أو بآياتنا الدالة على صدق الرسول ÷ وجحدوا قدرة الله تعالى على بعثهم خلقاً جديداً، وكذَّبوا الرسول في إنذاره لهم عذاب الآخرة، وجعلوا إنذاره بالآخرة وسيلة لتكذيبه في دعوى الرسالة.

  (٩٩) {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} هذا يبطل جِدالَهم في بعثهم خلقاً جديداً {أَوَلَمْ} يعلموا {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} على عظم خلقها وبعد مساحتها وتجهيز الأرض للإنسان ليعيش فيها ألم يعلموا أن الذي خلقها {قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ} أشخاصاً {مِثْلَهُمْ}.

  وهذا الإستدلال يشبه قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ...} إلى قوله: {.. مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ}⁣[النازعات: ٢٧ - ٣٣] وقوله تعالى: {مِثْلَهُمْ} يشير إلى صغر أجسامهم بالنظر إلى السموات والأرض، أي قادر على أن يخلق من كان في حَجْمه أصغر من السموات والأرض بكثير، فقوله تعالى: {مِثْلَهُمْ} كناية عنهم كقولهم: مثلك لا يبخل - والله أعلم.

  وقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ} فهم يعلمون أن حياتهم الدنيا مؤقتة تنتهي لأجل لا ريب فيه، فلولا أن الله يعيدهم لكان الخلق الأول عبثاً؛ لأن الأمم تحيى ثم تموت أمة بعد أمة ولا توجد أمة لتبقى بل كلها تحيى لأجَلٍ لاريب فيه، والله أحكم الحاكمين فلا بد من البعث والجزاء الذي به تظهر الحكمة.