التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الكهف

صفحة 368 - الجزء 4

  


  ويروى أن سبب نزول قصتهم سؤال اليهود عنها، فارتباط قصتهم بما قبلها من حيث أن السائلين: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} ولم يؤمنوا برسول الله ÷ ولا بالقرآن مع علمهم أنه من الله، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}⁣[البقرة: ١٤٦].

  وأما قوله تعالى: {وَالرَّقِيمِ} فالراجح أنه: ما رقم فيه أسماؤهم، أي المرقوم فعيل بمعنى مفعول، ولا يجب أن المرقوم أسماؤهم، بل يحتمل: أن يكونوا هم رقموه وأن يكون في الصخرة كلمة التوحيد وذكر الله أو غير ذلك فلا يتعين إلا أنه معهم مرقوم من غير تعيين، فحاصل معنى الآية: بل أحسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من بين آياتنا عجباً دون غيرهم، فإن عجائب آيات الله كثيرة.

  قال الشرفي في (المصابيح): «قال المرتضى # [أي محمد بن الهادي @] معنى {كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} يقول سبحانه إنهم لم يكونوا من أعظم الآيات، بل كان في آياتنا ما هو أعجب وأعظم من هؤلاء، وإن كان فيهم العجب العجيب لمن فكر وعقل واعتبر وازدجر أن يكون ممن خلقهم الله كخلق الآدميين، وركب فيهم من الأكل والشرب والروح ما ركب في جميع المخلوقين، ثم أقاموا بلا أكل ولا شرب ثلثمائة سنة وتسع سنين، لم تتغير لمرّ السنين أمعاؤهم ولم تذهب بطول المدة لحومهم، ولم تؤثر الأرض في أبدانهم، فهذا من أوضح دلالة لمن أبصر وأبين حجة لمن تفكر وآمن بالله واعتبر، فكان الناس يتعجبون من بقائهم وسلامة أبدانهم مع طول هذه المدة، فأخبرهم الله أن من آياته التي ترون ما هو أعظم من ذلك» انتهى.