التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الكهف

صفحة 379 - الجزء 4

  


  وقوله تعالى: {لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} أي ليسأل بعضهم بعضاً، وقوله تعالى: {بَيْنَهُمْ} يفيد: تأكيد أن السؤال وقع من بعضهم لبعض.

  وقوله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ} تفسير لسؤال بعضهم لبعض أي كم لبثتم في هذا المكان نائمين؟ أو كم لبثتم في نومكم هذا؟ واللبث: هو البقاء في المكان أو نحو المكان مما يكون في المكان {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} لم يشعروا بطول المدة؛ لأنهم كانوا نياماً لا يعلمون شيئاً وكأنهم رأوا علامة أنهم قد لبثوا أكثر من ذلك ولا يدرون كم لبثوا، فـ {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} فأحالوا أمرهم ذلك إلى علمه تعالى.

  وأرادوا القوت فانتقلوا إلى تدبيره فقالوا: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} أي اخرجوه إلى المدينة {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} فليبحث عن المكان الذي فيه الطعام الذي هو أطيب طعاماً فهو حلال طيّب ولظنهم أن أهلها ما زالوا قومهم المشركين خافوا أن يشتري رسولهم شيئاً مما يعرف المؤمن أنه خبيث؛ لأن المشرك لا يتجنبه كالخمر والخنزير والميتة والمغصوب، وهذا الشيء يعتبره المؤمن خبيثاً إذا عرف أنه مغصوب وعرف مفاسد الخمر والخنزير، فذلك غير زكي أو على الأقل لا يثق أنه زكي فضلاً عن كونه أزكى، وهذا إن لم يكن عندهم بقايا دين سماوي فأما إن كان عندهم شيئ من ذلك فظاهر، والورق الفضة أرادوا أن يشتروا بها طعاماً.

  وقولهم: {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} أي فليأتكم بقوت تقتاتونه لأيام من رزق الله {وَلْيَتَلَطَّفْ} يحاول إخفاء نفسه وأن يبقى غامضاً لا يعرف الناس أنه منَّا {وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ} ولا يُعْلِمْ بكم ولا يطلع عليكم {أَحَدًا} كائناً من كان من قريب أو بعيد، لأن سركم يجب أن لا يظهر.