التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة طه

صفحة 537 - الجزء 4

  


  (١٠٩) {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ} بالشفاعة، هي إما مثل قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}⁣[النجم: ٢٦] فمعناها: أن الملك لله وحده فلو شفع شافع قبل أن يأذن الله ويرضى بشفاعته لما نفعت، وفي هذا رد على المشركين لقولهم: {هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}⁣[يونس: ١٨] وفي بعض القرآن ينفي الشفاعة إلا بإذنه، فلا تكون أصلاً فضلاً عن أن تقع ثم لا تنفع، قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا}⁣[النبأ: ٣٨].

  وعلى هذا فالمعنى: لكن من أذن له الرحمن ورضي له قولاً تنفع شفاعته، والقول هنا الشفاعة فلا بد من اجتماع الأمرين في الشافع: الأذن له والرضى بما يقول، وفي هذا تحقيق أن الملك يومئذٍ لله وحده ليس لأحد أن يتدخل في الحكم يومئذ، ونظائر هذا السياق كثير في القرآن يظهر: أنه رد على المشركين، وحملها على هذا المعنى أظهر لكثرة نظائره، ومطابقته لمقتضى تلك الظروف التي نزلت فيها السور (المكية) و (المدنية) وإما أن تكون بمعنى إلا من أذن للشافع بالشفاعة له ورضي للمشفوع له قولاً، أو ورضي للشافع له قولاً وعاد الضمير إليه لإفهام ذكر الشفاعة فاعلها؛ ولم يترجح عندي هذا الإحتمال لأن ظاهر.

  قوله: {مَنْ أَذِنَ لَهُ} أن المعنى أذن للشافع، وجعله للمشفوع له يحوج إلى تقدير: بعد أذن للشافع، وتقدير أن يشفع له ليتعلق قوله {لَهُ} بالشفاعة.

  وقد يجاب: عن هذا بأنه يصح تعليق له بأذن، ويكون الضمير للمشفوع له، والجواب لا إشكال في الصحة مع القرينة، أما مع عدمها فلا نسلم إذ ظاهر الأذن للفاعل فظاهر إتباعه بقوله: {لَهُ} أنها للفاعل المأذون له، وأن الضمير له في الغالب.