سورة طه
  ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ١١٢ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ١١٣ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ
  قال الشرفي في (المصابيح): «ومعنى {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} أي صارت عانية أي ذليلة خاشعة من عنى يعنو إذا خضع ..» الخ، وفي (الصحاح): «عنى يعنو: خضع وذل - ثم قال -: والعاني: الأسير».
  وقوله تعالى: {لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} دلالة على أنه القائم بأمور الآخرة كما هو القائم بأمور العالمين في الدنيا، فهو في الآخرة يسألهم ويحكم فيهم، ويعاقب من شاء، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} تحققت خيبته من ملك الملوك الذي لا يرد أمره، وخيبته تحقق عذابه وبطلان رجائه السلامة.
  وقوله تعالى {مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} أي كان ظلمه على ظهره لم يفارقه كقوله تعالى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ}[الأنعام: ٣١] وليس يحمل وزره من تاب في الدنيا؛ لأنه قد فارقه وتخلص منه بالتوبة، فإن كان المراد من حمل في الدنيا، فالتائب مخرج منه كسائر الوعيد.
  (١١٢) {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} {ظُلْمًا} نقصاً من ثوابه {وَلَا هَضْمًا} تصغيراً لقدره وهتكاً لعرضه، بل يوفى أجره وكرامته التي استحقها بإيمانه وعمله الصالح، وتشريفه هو من ثوابه، واستعمال الهضم في هتك العرض هو من المجاز، ومن فوائده أن المؤمن لا تُظهر معاصيه التي كان في الدنيا قد تاب منها، بل تستر عليه، ولعل أقرب من هذا أن الظلم النقص من الثواب، والهضم: الظلم الذي هو الجور في الحكم.