التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة طه

صفحة 543 - الجزء 4

  ١٢٢ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ١٢٣ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ


  {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} تحققت منه المعصية {فَغَوَى} الغواية ضد الرشد، وهي هنا سوء الحال وما صار فيه من الخروج من الجنة والشقوة بمصيره، حيث يحتاج إلى الكد والتعرض للشمس والصبر على حرها، فالشقوة لما كانت بسبب غوايته صح تسميتها غواية، كقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}⁣[مريم: ٥٩].

  (١٢٢) {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} قال في (الصحاح): «واجتباه: أي اصطفاه» انتهى، ولعل معناه: أنه وفقه وأرشده للتوبة بتذكيره له بقوله تعالى: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}⁣[الأعراف: ٢٢] {فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} إما قبل توبته وهو أظهر، وإما تاب عليه ليتوب وهدى لطاعته.

  (١٢٣) {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} {اهْبِطَا مِنْهَا} من الجنة {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} قال الشرفي في (المصابيح): «فالمراد به: آدم وذريته، وإبليس وذريته» انتهى، ونظيره في خطاب المفرد والمراد هو وغيره قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ}⁣[يوسف: ٢٨] وهذا بعد وجود الذرية، أما قبله فإبليس عدو لآدم وحواء، وآدم عدو لإبليس؛ لأنه يبغضه، ولعله يدعو عليه باللعنة، وحواء مثله.

  وقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} إما هي إن الشرطية، أو أدغمت نونها في الميم، والمعنى: إن يأتكم {مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} بكتب الله ورسله {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ} عن طريق الحق {وَلَا يَشْقَى} في الآخرة.