التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة طه

صفحة 544 - الجزء 4

  ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ١٢٤ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ١٢٥ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا


  ويحتمل لا يشقى في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأن ما ناله في الدنيا من عنائها وباسها وبؤسها كله خير له؛ لأنه يعوض على المصائب والأوجاع، ويثاب على الصبر، فما ناله خير له من السلامة منه، فليس شقاوة، وهذا أرجح.

  (١٢٤) {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} {ذِكْرِي} هداي، وهو وحيه النازل على الرسل وآياته الدالة على صدقهم وعلى البعث وغيره من الأصول {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً} في الدنيا {ضَنْكًا}.

  قال في (تفسير الإمام زيد بن علي @): «ضنك: معناه: ضيق» وقال الشرفي في (المصابيح): «الضنك: وصف يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث، ومعناه: الضيق والشدة، والمعيشة: ما يعاش به، والمعنى حياة ضيقة في الدنيا» انتهى.

  قلت: لا يشكل كثرة أموال بعضهم؛ فإن الله تعالى يقول: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}⁣[التوبة: ٥٥] وكم من غني يصاب بمرض يحتاج معه إلى ترك كثير من اللذات، فمنهم من يصاب بالسكر، ومنهم من يصاب بارتفاع الضغط، ومنهم من يشتد الخلاف بينه وبين أولاده فيتجرع الغيظ، ومنهم من يخاف عدواً يغرم في مقاومته، ولا يدعه الخوف يستريح، ومنهم من اشتد عليه الحرص فلا يزال في عناء السعي والطلب، ومنهم من يصاب بمرض أهله، وعلى الجملة قد أخبرالله أن له معيشة ضنكاً وهو أصدق القائلين، ولا ينافي ذلك كثرة المال والولد {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} أي أعمى البصيرة.