سورة طه
  ١٢٨ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ١٢٩ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا
  (١٢٨) {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} قال في (الكشاف): «فاعل لم يهد الجملة بعده، يريد ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه، ونظيره قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}[الصافات: ٧٨ - ٧٩] أي تركنا عليه هذا الكلام، ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول، ويدل عليه القراءة بالنون» انتهى.
  فأما تعديه (يَهْدِ) باللام فلتضمينه معنى: (يبين) وقوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} أي أمماً كثراً، وقوله: {يَمْشُونَ} أي قريش يمشون {فِي مَسَاكِنِهِمْ} فيرون آثارهم المذكرة بهم، ففيهم عبرة لهم ليحذروا الهلاك فيؤمنوا بالله ورسوله.
  قال بعض المفسرين: «وهم يمشون في مساكنهم كما كانت تَمُر أهل مكة في أسفارهم بمساكن عاد بـ (أحقاف اليمن) ومساكن ثمود وأصحاب الأيكة بالشام، ومساكن قوم لوط بفلسطين» انتهى.
  وقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي إهلاكنا للأمم الكثيرة التي {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} {لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} أي لأهل العقول الذين يستعملونها ويفكرون، قال في (الصحاح): «والنُهْيَة - بالضم - واحدة النَهى، وهي العقول؛ لأنها تنهى عن القبيح» انتهى، وفي إهلاك الأمم بالعذاب النازل بهم آيات، منها: أنها تدل على قدرة الله تعالى وعلمه، وأنه غير غافل عما يعمل الظالمون ولا مهمل لهم، بل يعاقبهم عقاباً شديداً.