التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأنبياء

صفحة 561 - الجزء 4

  وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ٩ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ١٠ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا


  قال: والله إنا لنحن أهل الذكر، ونحن معدن التأويل والتنزيل، ولقد سمعت رسول الله ÷ يقول: «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه» انتهى المراد.

  (٨) {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ} وما جعلنا الرسل {جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} بل جعلناهم بشراً يأكلون الطعام، وهذا رد على قولهم: {هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} باعتبار أنه يأكل كما يأكلون، كما قال بعضهم: {مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ}⁣[المؤمنون: ٣٣] لتحقيق المماثلة، فرد الله عليهم أنهم امتازوا بالوحي لا بأنهم ليسوا بشراً ولا بأنهم لا يأكلون الطعام، قال في (الصحاح): «الجسد: البدن» انتهى المراد.

  فالرسل بشر يأكلون الطعام كلهم، وليس ذلك مانعاً من رسالتهم {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} فهم يموتون كما يموت سائر البشر، ورسالتهم لا تنافي ذلك ولا ينافيها.

  (٩) {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} ثم بعد إرسال الرسل بالوحي والآيات وبعد تكذيب قومهم لهم صدقنا الرسل الوعد الذي وعدناهم بنجاتهم ومن آمن معهم، وهلاك أعدائهم المسرفين فأنجيناهم من العذاب الذي أهلكنا به قومهم وأنجينا معهم من نشاء أن ننجيه {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} الذين كذبوهم وجادلوا في آيات الله وعادوا رسلهم، وفيهم عبرة لكم أيها المكذبون لمحمد ÷.