سورة الأنبياء
  كُنَّا ظَالِمِينَ ١٤ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ١٥ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ١٦ لَوْ أَرَدْنَا
  (١٤) {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} {يَا وَيْلَنَا} قد حضر هلاكنا {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} فهو سبب نزول العذاب.
  (١٥) {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ} أي تلك الكلمة وهي قولهم: {يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} ما زالت {دَعْوَاهُمْ} يكررونها ويرددونها {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} كالزرع المحصود {خَامِدِينَ} وسميت دعوى لأنها قامت مقام الدعوى؛ لأن من واجه العقوبة يدعي ما يخلصه منها كمن يدعي الخطأ أو السهو أو الغلط أو الإكراه أو الإضطرار، وهؤلاء لم يجدوا دعوى إلا الإقرار على أنفسهم أنهم كانوا ظالمين وأن ذلك سبب العذاب حتى هلكوا، ويؤكد هذا قوله تعالى في (سورة الأعراف): {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[آية: ٤ - ٥] وهذا أحد معنيين رواهما الشرفي عن الحسين بن القاسم، حيث حكى عنه أنه قال: «معنى {دَعْوَاهُمْ} أي علتهم وما يدّعون من ركاكة حجتهم» انتهى المراد.
  قال الشرفي: «والخمود الهمود كخمود النار إذا طفئت» انتهى، وقال الراغب: «جعلناهم حصيداً خامدين كناية عن موتهم من قولهم: خمدت النار خموداً طفئ لهبها» انتهى.
  (١٦) {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} هذا من الرد على الكفار الجاحدين للآخرة المكذبين للرسل الذين يقولون: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا}[المؤمنون: ٣٧] فلو كان الأمر كما زعموا لما كان في خلق