سورة الأنبياء
  أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ١٧ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ١٨ وَلَهُ
  السموات والأرض فائدة، حيث يترك من فيهما لا أمر من الله ولا نهي، ولا اختبار، ولا وعد ولا وعيد، ولا فرق بين المحسن والمسيء، ولا إنصاف للمظلوم من الظالم، لكان خلق العالم لعباً؛ لأنه عارٍ عن الحكمة حينئذ.
  تفكر كيف يهلك جيل فيخلفه جيل، ثم يهلك هذا فيخلفه جيل وهكذا تهلك الأجيال وتخلفها أجيال لا لتبقى بل لتموت، فلولا الجزاء في الآخرة والفرق فيها بين المحسن والمسيء ولولا إرسال الرسل وأمر المكلفين ونهيهم ولولا الإنذار والتبشير لكان خلق العالم وإهلاكه لا لفائدة ولا لحكمة ولكان ذلك لعباً - تعالى الله عن ذلك - بل هو أحكم الحاكمين.
  (١٧) {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} قال الراغب: «اللهو: ما يشغل الإنسان عما يعنيه - ثم قال -: ويعبر عن كل ما به استمتاع باللهو» انتهى المراد.
  وفي (الصحاح): «ولهوت بالشيء ألهو لهواً، إذا لعبت به وتلهّيت به مثله» انتهى، وفي (لسان العرب): «اللهو ما لهوتَ به ولعبت به وشغلك من هوى وطرب ونحوهما» انتهى، وهاهنا اللهو بمعنى اللعب، أو شامل له؛ لأن السياق يقتضي ذلك. قال الشرفي في هذا الموضع: «واللهو واللعب بمعنى» انتهى.
  وقوله تعالى: {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} أي غير خلق السماء والأرض وما بينهما؛ لأن اللعب يكون مما يشتهيه الناظرون أو يلتذ به السامعون أو نحو ذلك، وقدرته تعالى وعلمه لو صدر اللعب واللهو من عنده يناسبهما أن يكون ما يتخذه سبحانه وتعالى في غاية الإتقان يفوق في لذته كل لهو؛ لأنه قادر على كل شيء، وعليم كيف يتقن الصنع.