التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأنبياء

صفحة 607 - الجزء 4

  الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ٨٨ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ٨٩ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى


  وفي هذا مع قوله تعالى: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ۝ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ ..} الآية [الصافات: ١٤٣ - ١٤٤] مأخذان: التهليل من التسبيح؛ لأنه تنزيه لله تعالى من أن يكون له شريك، والتسبيح تنزيه من حيث أنه تبعيد من كل نقص ومن كل عيب.

  وقوله: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} اعتراف بالخطيئة تذكَّر أنه غالط في ظنه، وأنه كان يجب عليه البقاء في قومه حتى يأذن الله له بالتولي عنهم، فكان توليه عنهم قبل الأذن معصية، ومعصية المالك المنعم ظلم أي حيف مخالف للعدل.

  (٨٨) {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} دعاءه ذلك {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} يشمل الغم في بطن الحوت وغيره، مثلاً الغم من المعصية بإبلاغه أن الله قد غفر له {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي سنة الله أن ينجي المؤمنين إذا وقعوا في غم ورجعوا إلى الله وسألوه الفرج، وذلك حيث تقتضي الحكمة تعجيل الفرج بسبب الدعاء منهم، فإن اقتضت الحكمة إجابة الدعاء وتأخير الفرج فلا بد منه لو لم يكن إلا بالشهادة أو الموت إلى رحمة الله.

  (٨٩) {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} {وَزَكَرِيَّا} آتيناه رشده، وإيتاء الرشد في هذا السياق هو مثل الهدى في (سورة الأنعام) من قوله تعالى في إبراهيم #: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ..} الآيات، إلى قوله تعالى: {.. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}⁣[٨٤ - ٩٠].