سورة الأنبياء
  فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ٩١ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ٩٢ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ
  (٩١) {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ} {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} أي مريم حفظت فرجها من العصيان، وفي الإحصان دلالة على صيانتها لنفسها وابتعادها عن مظان العصيان آتيناها رشدها {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} لتحمل عيسى # وترتيب ذلك على إحصانها فرجها؛ لأن ذلك من أسباب شرفها بالنفخ وجعل عيسى # ابناً لها بدون أب، وفيه رد على اليهود الذين بهتوها {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ} لأن ذلك دليل من دلائل قدرة الله تعالى فيها وفي ابنها.
  والراجح في النفخ المذكور: أنه كان سبباً لوجود جسد عيسى #، ثم نفخ الروح في الجسد لأن النفخ فيها أسند إليها لا إلى الحمل، وفي بعض الآيات أسند إلى فرجها فهو نفخ غير النفخ في جسد عيسى #، أو أن النفخ في جسده امتداد للنفخ السابق قبل العلوق به، وأضافه الله تعالى إليه حيث قال: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} لأنه جعله أمراً خارقاً للعادة في كونها علقت بعيسى #، وتم خلقه في بطنها من غير أب، بل لذلك الروح المنفوخ فيها، فأضافه تعالى إليه كما أضاف روح آدم # إليه في قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}[الحجر: ٢٩] لأنه كان خارقاً تحول الطين إلى بشر يسمع ويبصر بسبب أمر من عند الله كانت به حياته، وعلى هذا فتسميته روحاً من حيث أنه في بطنها سبب بركة ووجود حمل ثم حي فسمي روحاً كما سمي القرآن روحاً، وكما قال تعالى: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}[المجادلة: ٢٢].