سورة الأنبياء
  
  ولعل أصله المسطور فيه، ومعناه: أن السجل هو الورق المكتوب فيه، والكتاب هو المكتوب في الورق، ومعنى ذلك: أن طي السموات سهل عليه كطي الورق لما فيه من المكتوب، فـ (السجل) فاعل (طي) أضيف المصدر إلى فاعله، و (اللام) في {لِلْكِتَابِ} (لام التعدية) فالمعنى: أن الورق يطوي ما فيه بانطوائه عليه، قال الراغب: «والسجل، قيل: حجر كان يكتب فيه، ثم سمي كل ما يكتب فيه سجلاً» انتهى.
  {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} حجة لوقوع ذلك اليوم؛ لأن طي السماء أوله فالمعنى أنا قادرون على الإعادة كما نحن قادرون على الإبداء، ثم قال تعالى: {وَعْدًا عَلَيْنَا} تأكيداً للخبر بوقوعه أي موعوداً علينا الوفاء به، ثم قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} أي من شأننا وعادتنا أن نفعل ما نشاء.
  (١٠٥) {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} {الزَّبُورِ} هو الكتاب الذي آتاه الله نبيه داود #، وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} أي كتبنا الذكر أولاً ثم كتبنا: {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} فما هو الذكر الذي كتب من بعده؟
  الراجح: أنه ذكر الله - والله أعلم - كتبه في الزبور كما كتب في القرآن (سورة الإخلاص) وغيرها من ذكر الله، وقوله تعالى: {يَرِثُهَا} إن كان فعل العادة الذي يفيد التكرار، فالأرض هي هذه التي نحن فيها، فكثيراً أهلك الله الأمم الظالمة وأورث بعدهم الأنبياء ومن آمن معهم، مثل: قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأهلك فرعون وقومه.
  ثم قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ..} الآية [الأعراف: ١٣٧] وقال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ}[القصص: ٥ - ٦].