التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الفرقان

صفحة 212 - الجزء 5

  كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ٤٥ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ٤٦ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا


  (٤٥ - ٤٦) {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا ۝ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} {الظِّلَّ} يحصل مع وقوع شعاع الشمس على الأرض، فكل منتصب يكون له ظل، وهذا الظل يكون في أول النهار ممدوداً ومتحركاً ينحرف قليلاً وينقص قليلاً قليلاً {وَلَوْ شَاءَ} الله الذي أطلع الشمس {لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} بإسكان حركة الشمس وحركة الأرض، فهذا دليل على قدرة الله؛ لأنه تصرف في الأرض والشمس مع ما بينهما من البعد، وعلى علمه تعالى؛ لأن الظل يتحرك بنظام محدود تحديداً محكماً حتى يكون وسط النهار منقبضاً.

  وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا} بعد كون الظل ممدوداً بمهلة يكون حر الشمس على ما يقع عليه شعاعها، وهذا الحر يبعث الإنسان وغيره على الاستظلال فتكون فائدة شعاع الشمس للأرض والشجر ومع ذلك يكون الظلال نعمة للإنسان وغيره، فكأن الشمس هي التي تقول للإنسان اذهب إلى الظل فكانت دليلاً للإنسان على الظلال أي باعثة عليه {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} أي الظل {إِلَيْنَا} بقدرتنا حين يقوم كل منتصب في ظله {قَبْضًا يَسِيرًا} سهلاً محدوداً لا تطول مدته، بل يبقى مقبوضاً قليلاً ثم يفيء الفيء فيزداد إلى آخر النهار، فالظل خاضع لتصرف الله فيه بالمد والقبض وتحديدهما وهو نعمة، فقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ} تعجيب من صنع الله تعالى في الظل ونعمته وهو يذكّر بتدبيره تعالى في الأرض والشمس وفي تسهيل القبض بتقليل مدته حكمة ليستريح الإنسان من الكد إلى القيلولة - والله أعلم.