سورة الفرقان
  
  وقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} فمعناه: أن الله ﷻ تولى إنزاله؛ لأنه ينزل بقدر محدود لا يختلط في الجو فيضر ما وقع عليه بل ينزل كأنه من غربال، ولا ينزل قبل بلوغه سماء الأرض التي يريد تعالى سقيها، وقوله تعالى: {طَهُورًا} أي بليغ في نظافته وسلامته من الغبار إلى حد بعيد مع أن أصل السحاب من الغبار، وكل ذلك إرسال الرياح بقدر وإنزال المطر بقدر دليل على قدرة الله تعالى وعلمه وفضله على عباده.
  وقوله تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} والبلدة اسم لما يسكنه الناس ويكون في العادة لهم فيها حرث وأنعام تحتاج إلى المرعى فيحييها ربها بالمطر فينبت الزرع وتخضرُّ الشجر وينبت المرعى، وقد كانت قبل ذلك كالميتة لا تنبت شيئاً من النبات، وهذا يشير إلى قدرته تعالى على البعث للموتى، ففي هذه الآيات إبطال لجحد الكفار للبعث وبيان لقدرة الله تعالى عليه، وتفيد: أن الله هو المنعم على عباده فهو المستحق للعبادة لا أصنام المشركين، فهي لا تفيدهم شيئاً.
  وقوله تعالى: {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} فيفيد الدلالة على قدرته ونعمته على الأنعام التي تشرب منه وعلى أهلها وعلى كثير من الناس لا يجدون ما يشربون إلا من ماء المطر، فأنزل المطر عليهم ليسقيهم نعمةً منه ورحمةً، ولم يكونوا يقدرون على إنزاله من السحاب لا هم ولا أصنامهم التي هي أعجز منهم.
  وقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} الراجح أن الضمير للماء الطهور وأن يبين لعباده أنه هو أنزله لا الطبيعة ولا النجوم؛ لأن تصريفه بإنزاله مرة على هؤلاء من الناس دون غيرهم ثم على آخرين كذلك ثم على آخرين كذلك،