التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الفرقان

صفحة 218 - الجزء 5

  


  (٥٤) {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} الماء هنا المني، وخلق البشر منه آية عظيمة تدل على قدرة الله تعالى وعلمه ويبطل بذلك جعل المشركين له شركاء لم يخلقوا فلا نصيب لهم في المخلوق ولا ينبغي لعاقل أن يجعلهم أنداداً لله ، وبطل به استبعاد الكافرين لبعث الموتى؛ لأن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة.

  وقوله تعالى: {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} بيان لنعمة عظيمة للإنسان، فلو خلقه من الأرض كما يخلق الزرع ما كان له أب ولا أخ ولا غيرهما من القرابة، والأنساب تنفع الناس بالمعاونة ولا سيما تربية الأبوين، وكذلك الصهارة علاقة نافعة للإنسان، والأصهار: أهل الزوجة أصهار لزوجها، وقد يسمى الزوج صهراً لأهل زوجته، قال شاعر بني العباس:

  فالصهر ليس بوارث ... والبنت لا ترث الإمامة

  يعني بـ (الصهر): علياً - ~.

  وفي (لسان العرب): «والأصهار: أهل بيت المرأة، ولا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان، ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان جميعاً يقال: صاهرت القوم إذا تزوجت فيهم» انتهى المراد، وقد قيل: الصهر في أعم من ذلك.

  وقوله تعالى: {وَكَانَ رَبُّكَ} أي ربك يا رسول الله {قَدِيرًا} وهذا يشير إلى أنه الصادق في إنذاره بالبعث؛ لأن الله تعالى أرسله مبشراً ونذيراً {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} أي قادراً على كل شيء ومنه البعث بعد الموت، وفيه تعريض بمن اتخذهم بعض المشركين أرباباً فرب محمد قدير، ومن اتخذوهم أرباباً عاجزون؛ وهذا لأن السياق من أول السورة في الرد على المشركين في شركهم وإنكارهم البعث وتكذيبهم بدليل الرسالة وبالرسالة.