التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الفرقان

صفحة 222 - الجزء 5

  خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ٦٢ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ٦٣


  (٦١ - ٦٢) {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ۝ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} {تَبَارَكَ} وعظم عما يتوهم فيه الجاهلون الذين لم يعرفوه بآياته ولم يشكروه على ما ابتدأهم به من النعم برحمته.

  {الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} منازل محدودة للشمس وللقمر، فهي من أدل آياته عليه؛ لأن الشمس تنزل في كل ثلاثة عشر يوماً في منزلة منها حتى تتم المنازل في سنة شمسية، والقمر ينزل في المنازل كلها في شهر {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ..} إلى قوله تعالى: {.. وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}⁣[يس: ٣٨ - ٤٠] {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} هو الشمس ينعَم بضوئها الناسُ وينتشرون لمعاشهم {وَقَمَرًا مُنِيرًا} ينتفع بنوره في الليل، فهذه نعم من الرحمن.

  {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} كل واحد منهما يخلف الآخر يتناوبان على الناس {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} بأن يفكر في صنع الله ويعرف ربه {أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} للرحمن على نعمة الليل بعد النهار ونعمة النهار بعد الليل، فآيات الرحمن ونعمه على عباده تدل من أراد معرفته عليه.

  (٦٣) {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} العابدون للرحمن المؤمنون بالرحمن أولياؤه الفائقون في عبادته صفاتهم ما ذكره سبحانه منها قوله تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قال (صاحب الصحاح): «الهون السكينة والوقار» انتهى، فهم منزهون عن التكبر والخيلاء.