سورة الشعراء
  
  وكذلك تدل على رحمة الله بعباده، فهي تدل على أنه لا يبعد منه إرسال الرسول رحمة للعالمين فتدعو المنصفين إلى النظر في الذكر الآتي من الرحمن، ثم العلم بصدق الرسول ÷، وكذلك تدل على إبطال ما يتعللون به لتكذيب الرسول ÷ من قولهم: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}[المؤمنون: ٣٥] لأن النبات وما فيه من الصفات تدل على قدرة خالقه على كل شيء، وعلمه بكل شيء، وكذلك تدل على تنزيه الله سبحانه عن أن تكون شركاؤهم أنداداً له سبحانه.
  (٨) {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} {إِنَّ فِي ذَلِكَ} كل زوج كريم على كثرته وكثرة أنواعه أنواع الشجر ومالها من صفات باعتبار السوق والفروع والورق والثمر، كل ذلك مختلف يدل على الفاعل المختار، وكثير جداً في الأرض يدل على سعة قدرته وعلمه ونعمته على عباده ورحمته، ففيه آية تدل على ما ذكرت مفصلاً {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ} أي أكثر المذكورين في قوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} وهم في وقت نزول السورة على أنها مكية أهل مكة والطائف ومن حولهم من العرب، وما كان أكثرهم مؤمنين لإعراضهم عن النظر في الآيات، واشتغالهم بما تهوى أنفسهم، وإذا لم يفكروا في الآيات التي يرونها فيؤمنوا بما تدل عليه فهم أهل لئلا يؤمنون بالرسول الصادق الأمين، ولا بذكر الرحمن.
  (٩) {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} فما كان الله تعالى ليهمل عباده بلا جزاء يفرق بين المحسن والمسيء كما هو شأن عزته، وما كان ليتركهم بلا نذير وبشير كما هو من رحمته، وما كان إمهاله لإهمال منه لهم وإنما هو رحمة لينظروا فيما جاء به الرسول ويؤمنوا فلا يعجل لهم العذاب بحيث لا تبقى مدة للنظر ومراجعتهم للتوبة، وذلك كله لأنه {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.