التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الشعراء

صفحة 242 - الجزء 5

  خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ٢١ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٢٢ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ


  (٢٠) {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} قال موسى (#): {فَعَلْتُهَا} أي فعلتي التي هي القتل وأنا في تلك الحال كنت {مِنَ الضَّالِّينَ} الذين يقع منهم مثل ذلك لجهلهم بالشرائع، وفي هذا تحذير من الجهل، ودعوة إلى الخروج منه إلى نور العلم، كما أن فيه تحقيق معجزة حفظ موسى من ذلك الجبار العنيد حيث يصرح بالإقرار بها بلا مبالاة وإنما يبين أنها كانت قبل الرسالة فلا يعترض بها على الرسالة ثم لا يقتله عقيب هذا الإقرار.

  (٢١) {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} {فَفَرَرْتُ} فما كانت نجاتي منكم إلا بالفرار منكم لما خفتكم، وهذا يحقق المعجزة لأنه فرّ من الخوف، وهو هذا يذكر فراره منهم فما عودته إليهم إلا لأنه واثق بأنه رسول من الله، وأنه يحفظه.

  وقوله: {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} معرفة العدل وكيفية الحكم بين الناس {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فعليكم أن تؤمنوا بي وترسلوا معي بني إسرائيل، فهو (#) ثابت في ذلك المقام الذي حاول فيه فرعون شغله عنه بقضية قتله للقبطي، فقد أجاب فيها ولم يسكت على ذلك بل وصله بقوله: {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} جعله الله رسولاً من رسله الذين يرسلهم إلى الأمم مبشرين ومنذرين، وهداة إلى دينه لا أنه مجرد رسول يبلغ الأمر بإرسال بني إسرائيل فقط.

  (٢٢) {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وتلك التربية لي وليداً مولوداً صغيراً تمنها عليّ لأن {عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} جعلتهم عبيداً لك، فأرسلهم معنا فقد طالت مدة ظلمك لهم، ولولا ذلك لم تلجأ أمي إلى أن تجعلني في التابوت وتقذفني في البحر.