التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة القصص

صفحة 415 - الجزء 5

  مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ٧٦ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ


  جاءت هذه الآية مرتين، فرتب عليها في المرة الأولى ذكر براءة المتبوعين من التابعين مما يدل على شدة الحال عند ذلك النداء.

  وفي المرة الثانية رتب عليها قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} أي شهيداً على الأمة، كما قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا}⁣[النساء: ٤١] فالشهيد يشهد بما عاينه أو سمعه من الأمة التي هو شهيد عليها، وفي هذا إشارة إلى حالة المشركين الذين يقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وأفادت أنه لا يفيد الجحود من جحد {فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} على ما كنتم تزعمون في الدنيا من دعوى الشرك وغيرها {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} فيهم وفي كل مخلوق، فهم عباده وحده لا شريك له فيهم ولا حق لغيره فيهم مستقلاً {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} ضاع عنهم في ذلك الموقف ما كانوا يفترونه من أن شركاءهم شفعاء لهم عند الله يوم القيامة أو أنهم سينصرونهم في الشدائد أو نحو ذلك، فقد تبين في ذلك الموقف أنهم كذبوا فلم ينفعهم شركاؤهم ولا غيرهم.

  (٧٦) {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} {كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} من بني إسرائيل أو أقرب إلى موسى كأن يكون من السبط الذي منه موسى {فَبَغَى عَلَيْهِمْ} على قوم موسى؛ ولعل هذا في أيام احتجاج موسى على فرعون فكان قارون مع فرعون كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ۝ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}⁣[غافر: ٢٣ - ٢٤] فبغى قارون على قومه