التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة القصص

صفحة 417 - الجزء 5

  وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ٧٧ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ


  وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} اذكر قصته إذ نصحوه حين أطغاه الغنى، قال في (الصحاح): «فرح به سُرّ والفرح أيضاً البطر» انتهى. ومثله في (القاموس) فالفرح هنا: إما السرور المفرط الذي هو لازم الثقة بدوام الغنى والاطمئنان إلى الدنيا، وإما البطر، قال الراغب: «البطر: دَهَش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها» انتهى.

  (٧٧) {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} {وَابْتَغِ} واطلب الدار الآخرة وهي الجنة اطلبها {فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ} من المال، فالدنيا مزرعة الآخرة إذا عمل فيها بطاعة الله كانت سبباً للجنة، فإذا أنفقت لله فيما يرضيه الإنفاق فيه نلت الجنة بالمال الذي آتاك الله، فجمع الله لك خير الدنيا والآخرة {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} فليس لك من الحياة الدنيا إلا نصيب محدود ينتهي فتموت وتفارق المال والقوة وينكشف أنه قد غرك طول الأمل ونسيان نصيبك من الحياة الذي لا تبقى بعده، فاذكر هذا ولا تنسه ليقل حرصك على المال وفرحك به إذا تذكرت أن الفاضل للوارث لا ينفعك أي نفع.

  {وَأَحْسِنْ} فتصدق على المساكين وأطعم الجائع وفرج عن المكروب وغير ذلك من الإحسان شكراً لله على إحسانه إليك بما آتاك {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} ولا تحاول الفساد المنتشر في الأرض؛ ولعلهم أرادوا نهيه عن معاونة فرعون {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} فاحذر ذلك.