التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة القصص

صفحة 418 - الجزء 5

  عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ


  ويترجح: أن هذا كان في أيام فرعون؛ لأن موسى # لم يذكر في القصة من أولها إلى آخرها في القرآن الكريم؛ ولأن مدة موسى # في النبوة مع قومه بعد خروجهم من البحر ما كانت مظنة التعمير بل صاروا إلى العيش في غير مصر بل في التيه حتى توفي موسى #.

  فلا بد أن قصة قارون كانت قبل خروجهم من مصر، أو أنها كانت بعد وفاة موسى # وبعد دخولهم القرية وتمكنهم، ولكن معنى هذا أنه أسلم مع موسى وخرج معه من البحر وعاش حتى دخلوا القرية واكتسب الأموال وبنى داره، فكيف لم يكن نُصْحُه من يوشع ولم يذكر في قصته وإسلامه بعيد في عهد فرعون وضعف موسى وقومه {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ}⁣[يونس: ٨٣] ولأن القرآن قرنه بفرعون وهامان {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}⁣[غافر: ٢٤] فكون القصة وقعت في عهد فرعون أقرب، وعهده أقرب لتمكن قارون من ظلم قومه بخلاف عهد موسى # ويوشع #.

  فالراجح: أن النصح من قومه كان في عهد فرعون في أيام أنهم مستضعفون ونصحوه لكونهم يُدِلون بقربه؛ ولأن ظلمه لهم بعثهم على نصحه، وقد يشكل على جعل القصة متقدمة قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ ..} الآية؛ لأن عهد فرعون ليس مظنة أن يكون فيه أولوا علم لا من بني إسرائيل ولا من غيرهم، فالجواب أن هذا مجرد استبعاد، وقد حكى الله تعالى في (سورة غافر) ما يفيد: أن مؤمن آل فرعون أوتي علماً.