التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة العنكبوت

صفحة 437 - الجزء 5

  آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ١٢ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ


  لا بد من الفتنة المميزة بين المؤمن والمنافق، والفرق بين الآيتين أن الكاذب في قوله: آمنا قد لا يكون منافقاً؛ لأن المنافق يتولى الكفار سراً، وقيل: المنافق يضمر الكفر وليس كذلك من يقول آمنا ولم يتول الكفار، ولا أضمر الكفر كما حكاه تعالى في قوله: {قَالَتِ الأَعْرَابُ ..} إلى قوله تعالى: {.. وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}⁣[الحجرات: ١٤].

  (١٢) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أراد الذين كفروا أن يرتد الذين آمنوا واستعملوا هذا التغرير {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} وهكذا يفعل المبطلون ليخدعوا أتباعهم، وقد أبطل الله هذا الخداع بقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وأبطله - أيضاً - بقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}⁣[فاطر: ١٨] فأفاد تعالى بقوله: {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أن الولد لا يحمل ذنب والدته ولا ذنب أبيه ولا ذنب ابنه فضلاً عن ذنب أخيه.

  وأفاد بقوله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} العموم فلا يحمل رئيسٌ ذنب عسكره ولا ذنبَ جلاده أو قتّاله أو صاحب حبسه أو قيده، كلهم خطاياهم عليهم، ولا يحمل عنهم منها رئيسهم شيئاً وإن زعموا لهم أنهم الحاملون فهم كاذبون لكنه شريكهم من حيث أنه أمرهم بالظلم.