التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة العنكبوت

صفحة 438 - الجزء 5

  وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ١٣ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ١٤ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ


  (١٣) {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} {وَلَيَحْمِلُنَّ} أي هؤلاء الذين قالوا: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ..} فهذا قول الله أنهم يحملون ذنوبهم {وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} وهي صدهم عن سبيل الله وإفسادهم، فهم يحملون خطاياهم التي هي كفرهم وشركهم وغير ذلك وخطاياهم التي هي إفسادهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}⁣[النحل: ٨٨] وليس معنى ذلك أنهم يحملون ذنب غيرهم، وإنما المراد أنهم يحملون ذنبهم بفسادهم، ومع ذلك ذنبهم المضاف إلى ذنبهم بإفسادهم من غير أن ينقص من ذنوب غيرهم شيء.

  {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} فيحاسبون على كذبهم بقولهم: ولنحمل خطاياكم؛ لأن من معناه إمكان ذلك وجوازه، وأنهم إن اتبعوهم حملوا خطاياهم؛ ولذلك قال تعالى: {.. إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فيسألون يوم القيامة عن هذا الافتراء وغيره من افترائهم كل ما كانوا يفترونه في الدنيا.

  (١٤) {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} في هذا إنذار للكفار الذين أرسل الله إليهم محمداً ÷ كما أن فيه تسلية له ÷ بأن نوحاً # كذّبه قومُه مع طول لبثه فيهم وصبره عليهم، وقوله تعالى: {فَلَبِثَ} أي بقي بينهم مبلغاً ومحتجاً وواعظاً ومنذراً {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} والعام: هو السنة