التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة العنكبوت

صفحة 442 - الجزء 5

  اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٠ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ٢١ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي


  فإذا عرفوا ذلك فكيف يخفى أن الله يعيده تارة أخرى؛ لأن {ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} كما دل عليه بدء الخلق، فقوله: {ثُمَّ يُعِيدُهُ} عطف على جملة الكلام من أول الآية كما يأتي قريباً في قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} ويحتمل كيف يبدئ الله خلق بعض المخلوقات وهو المرعى ثم يعيده بالمطر بعد أن يبس وتكسر فبدء المرعى خَلْقُه أول ما خُلق، وإعادته في عرف العرب واعتبارهم إعادة المرعى بعد أن ذهب.

  وقد احتج الله عليهم بهذا في (سورة الحج) فقال تعالى: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}⁣[الحج: ٥] وفي (سورة الروم): {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}⁣[الروم: ٢٤] وفيها: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى}⁣[الروم: ٥٠].

  (٢٠) {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {قُلْ} يا رسول الله للمكذبين بالآخرة {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} لتروا صنعاً من صنع الله غير الذي ترونه في بلدكم {فَانْظُرُوا} فيه {كَيْفَ بَدَأَ} الله {الْخَلْقَ} بقدرته التي لا تقاس على قدرة المخلوقين {ثُمَّ} بعد أن بدأ الخلق {اللَّهُ} الذي هو على كل شيء قدير الذي دلت عليه مخلوقاته {يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ} كما بدأ الخلق، ودل بدء الخلق على أنه على كل شيء قدير {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ولذلك بدأ الخلق وهو يعيده.