التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة العنكبوت

صفحة 446 - الجزء 5

  إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٢٦ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ


  (٢٦) {فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فآمن له لوط تفريع على إنذاره لقومه، آمن له: أجابه إلى الإيمان وأطاعه وصدقه ولعله آمن له حين كلم قومه بما حكاه الله عنه فأظهر لوط إيمانه لأن من البعيد أنه كان مشاركاً لقوم إبراهيم في محاولة إحراقه، فلا بد أنه كان يكتم إيمانه ثم أظهره في آخر الأمر حين أنجا الله إبراهيم من النار، وبطل أمر قومه، وصاروا الأسفلين.

  وقال إبراهيم #: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} لأنه قد أذن له بفراق قومه فهاجرهم ولم يبق بينهم مع إصرارهم على الشرك، وكانت هجرته إلى ربه لأنه يريد أن يعبد ربه حيث لا يرى المنكر، ولا يسمعه فكانت هجرته في طاعة الله إلى الله.

  {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فهو الذي من شأنه أن يعز من هاجر إليه، ويحفظه أو فهو الذي لا يرضى لأوليائه بالبقاء حيث يعصى الله دون أن يخرجوا إليه لأن بقاءهم بين المشركين وهم مستضعفون ينافي عزتهم بالإيمان وذلك لا يناسب عزة ربهم، ولذلك قال تعالى: {أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}⁣[التوبة: ٧١] كما أن بقاءهم بينهم في غير المعصومين مظنة ضعف إيمانهم؛ لأن مشاهدة المعاصي وسماعها على الاستمرار يقلل نفار النفس منها ويقرب من الرضى بها، ولذلك قال تعالى: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}⁣[الأنعام: ٦٩] فمن الحكمة الأمر بالهجرة من بينهم وأن لا يكون البقاء بينهم مرضياً عند الله.