سورة الروم
  لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ٤١ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ٤٢ فَأَقِمْ
  (٤١) {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} {ظَهَرَ} غلب {الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} سواء فساد بعض الزروع أو الثمار أو الأراضي بقلة الأمطار وغير ذلك، وفساد الصيد في البحر بتعسره، وفساد الريح التي تدفع السفن وغير ذلك، أو فساد حال الناس بظهور الجور من السلطان بتمكين الله والرشوة والتظالم والحروب وتعطيل شريعة الله، كل ذلك وقع {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} بمعاصيهم من الشرك وغيره {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} فلو صلحوا لتنزلت لهم البركات قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}[لأعراف: من الآية ٩٦] وقال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً}[الجن: ١٦] وقال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً}[نوح: ١٠] الآيات.
  وكذلك في تمكين الظلمة قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ ..} إلى قوله تعالى: {.. عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}[الإسراء: ٤ - ٨] وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام: ١٢٩] ولكن بجرائمهم سلط عليهم ليذيقهم بعض الذي عملوا.
  وقوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي يذيقهم بعض العقوبة أو عقوبة البعض وهو أرجح؛ لقوله تعالى في (سبأ): {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} أي لا يغير نعمته بسبب بعض المعاصي التي تقع من بعضهم ولا توجب تعجيل النقمة وتغيير النعمة على كلهم بل يعاملهم تعالى بحلمه.