سورة الروم
  السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ٥٥ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ
  وقبلها حين كنا علقة، وقبلها حين كنا نطفة، فنحن من الضعف بهذا المعنى، وهو مجاز مثل: {خُلِقَ الأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}[الأنبياء: ٣٧] وفيه دلالة على أصالتنا في الضعف {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} وهي قوة الشباب {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} لأنه تعالى حدد قوة الشباب كما شاء فجعلنا أقوياء بعد الضعف دليل على الله وعلى أنه قدير عليم ثم تحولنا عن حالة الشباب وقل استمرارنا في النمو بعد كثرته دليل على الخالق المدبر لأحوالنا فإن مقتضى الصحة فيما نتخيل أن يستمر النمو والقوة من الغذاء ما دامت أعضاء التغذية وتصريف الغذاء في البدن بل في خيالنا مقتضى ذلك أن يتطور النمو والقوة فلما شاهدنا تحديدها بوقت الشباب ثم تميل إلى النقص بتقدير وتدريج دل ذلك على خالقنا المدبر لأحوالنا وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} لم يقل خلق بل جعل لأن ذلك نقص وسلب قوة وقوله تعالى: {وَشَيْبَةً} أي بياض الشعر.
  وقوله تعالى: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} تحقيق لأنه الفاعل لما يريد ليس ذلك طبيعة مجردة لأن اختلاف أحوال المخلوق وفق تدبيره تعالى دليل على أنه مخلوق بقدرة القدير العليم أما الطبيعة فإن كانت واحدة لم يصح أن تنتج أشياء مختلفة وإن كانت متعددة كان تعددها المخصوص على وفق نظام محدود دليل على أنها هي مخلوقة لخالق قدير عليم، وقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} بيان لما دل عليه الدليل في الآية، وبذلك بطل استبعاد الكفار للبعث بل هو القريب في قدرته الواجب في حكمته.
  (٥٥) {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} يستقل الكفار ما بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة فيقسمون