التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة لقمان

صفحة 8 - الجزء 6

  


  وقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ} عطف على كون القرآن الحكيم {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} وكونهم {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}⁣[الأنفال: ٣٧] ويبين الفرق في الجزاء بين من يهتدي بكتاب الله ومن يؤثر الغناء ليضل عن سبيل الله، وقد شاع في هذا العصر الغناء وغيره من اللهو في وسائل الإعلام المختلفة وخاصة في هذا العصر، وأصله من الكفار ولا يبعد أن مهمتهم فيه هي إفساد المسلمين فالمسلمون كانوا منصورين على الكفار غالبين في كثير من الأرض فحاول إفسادهم الكفار بطرق مختلفة مثل إشاعة الربا والخمر والملاهي وبكثير من تزيين عادات الكفار التي يسمونها ثقافة حتى انحرف جمهور المسلمين عن كتاب الله وآثروا لهو الحديث وهوى النفوس فضعفوا وقوي عليهم الكفار وفي تصدير ذم الغناء في هذه السورة والتمييز بين أهله وبين المحسنين ما يشير إلى شدة فساد الغناء وأنه ليس سهلاً.

  وقد وافقه الحديث الذي رواه الإمام زيد بن علي @ في (مجموعه) عن أبيه عن جده عن علي # قال: قال رسول الله ÷: «من تغنى أو غنِّي له، أو ناح أو نيح له، أو أنشد شعراً أو قرضه وهو فيه كاذب، أتاه شيطانان فيجلسان على منكبيه يضربان صدره بأعقابهما حتى يكون هو الساكت» وروى # عن أبيه عن جده عن علي $ قال: قال رسول الله ÷: «إياكم والغناء، فإنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر» انتهى.

  وقوله تعالى: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي بجهله بسبيل الله، وقد كان ينبغي له لو استعمل عقله أن لا يحاول الصد عن سبيل الله قبل أن يعلم أنها حق أو باطل، لأنه أقدم على خطر عظيم لا يعتمد فيه إلا الجهل والهوى، وقوله تعالى: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} أي يتخذ سبيل الله هزؤاً، والاتخاذ أكثر وأشد من إحداث السخرية.