التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة لقمان

صفحة 27 - الجزء 6

  


  فكم تكون الشجرة الواحدة أقلاماً؟! وهذا يشير إلى كثرة ما يكتب بها وإلى كثرة الكاتبين بها {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} وهي مداد فكتبت به كلمات الله وهي آياته القولية وآياته الكونية الدالة عليه المسبحة بحمده الدالة على سعة علمه وإحاطته وعظم قدرته وقهره لكل شيء فكتب كل فرد من ذلك لنفد المداد قبل أن تنفد كلمات الله، لأن كل جزء من الكون آية واسمها أكثر من الجزء نفسه والمداد من الآيات والأقلام منها وأجزاء الأقلام حتى الخليَّة الواحدة آية وحتى أجزاء قطرات البحار آيات، كقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}⁣[الكهف: ١٠٩].

  {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} عزيز غالب لا ينال حكيم يفعل ما هو حكمة وصواب ولا يفعل خلاف ذلك.

  والراجح في تفسير قوله تعالى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ}: أن الضمير لما في الأرض من شجرة على فرض أنه أقلام والبحر مداده.

  قال في (لسان العرب): «وأمَدّ الدواة ومَدّها: زاد في مائها ونقسها [أي ومدادها] ومدّها وأمدها جعل فيها مدادا وكذلك مَدَّ القلم وأمَدّه» انتهى المراد، وهو يستفاد من غير (لسان العرب) إلا أنه صرح بالقلم وهو المراد.

  فصح أن الضمير في يمده لما في الأرض من شجرة وهو أقلام وفي هذا فائدتان:

  الأولى: التصريح بمد البحر وإفادة أنه مداد في نفسه بخلاف جعل الضمير للبحر.

  الثانية: فائدة قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِهِ} كأن تفسيره مسكوتاً عنه، وكنت فسرته بقولي من ورائه، لأنا إن فسرناه من بعده أي من بعد ذهاب البحر كان اعتبار السبعة الأبحر مدداً له وهو معدوم لا يصح في اللغة،