التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة السجدة

صفحة 40 - الجزء 6

  


  رجوعها من الأرض إلى السماء من أمر، مثل طاعتها لله في رجوعها، ومثل إخبارها بما شاء سبحانه ونقلها له إلى السماء من الأرض كإخبارهم بتبليغ ما بلغوا، وإخبارهم بأن الرسول من الناس قد بلغ ما أرسل به، وإخبارهم بمن آمن، أو بأن بعضهم قد آمنوا بالرسول، أو نحو ذلك من الأمر الذي أمروا أن يعرجوا به والنزول والعروج {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} بالنسبة إلى النزول والعروج {أَلْفَ سَنَةٍ} لأنه اتسع لبلوغ مسافة خمسمائة في النزول ومثلها في الصعود أي الطلوع إلى السماء.

  ولو كان المراد أنه ينزل ويطلع في ألف سنة، لكفى أن يقول: في ألف سنة مما تعدون مع أن جبريل # ينزل على الرسول ويرجع إلى السماء مرات عديدة في مدة رسالة الرسول من الناس ولم يكن مدة رسالة محمد ÷ إلا نحو ثلاث وعشرين فلو كان جبريل # لا يرجع إلا بعد نحو ألف سنة لمكث في الأرض إلى ذلك التاريخ من أول ما نزل، وهذا لا نعلم أحداً يقوله، مع أن الله تعالى قد أفاد تنزل الملائكة من كل أمر في ليلة القدر كل عام فلا بد أنهم يرجعون في كل عام وإلا امتلأت الأرض بالملائكة، وأيضا قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً}⁣[الإسراء: ٩٥].

  فلو كانوا باقين في الأرض ألف سنة لنزل لهم رسول على مقتضى معنى هذه الآية، وإن كان بقاؤهم في الأرض لأمر الله لهم بالبقاء لا لأنهم يمشون مطمئنين، لأن المعنى واحد هو طول غيابهم عن السماء، لأن عمر الواحد من أمة محمد ÷ أقل من ألف سنة واحتاجوا إلى رسول، فكيف لا يحتاج إليه من يمكث في الأرض نحو ألف سنة لأجل ما يستجد من الأمور لأن الشرائع تختلف باختلاف الأزمان والأحوال.