التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة السجدة

صفحة 49 - الجزء 6

  


  وقال في (الصحاح): «نبا الشيء عني ينبو، أي تجافى وتباعد - ثم قال -: وفي المثل: (الصدق ينبي عنك لا الوعيد) أي إن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد، قال أبو عبيدة: هو ينبي غير مهموز» انتهى. يعني ليس من النبأ.

  وفي (لسان العرب): «وجفا جنبه عن الفراش: نبا عنه ولم يطمئن إليه، ثم قال: وفي الحديث إنه كان يجافي عضديه في السجود أي يباعدهما وفي الحديث إذا سجدت فتجاف وهو من الجفاء البعد عن الشيء» انتهى.

  فتحصل: أن قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} يفيد رغوبهم {عَنِ الْمَضَاجِعِ} بخلاف من يميل إليها، وفي الحديث: «ألا وإن من علامات العقل: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود» ومعناه: الرغوب عن دار الغرور والإعراض عنها، فالتجافي فعل مقترن بأمر نفسي هو الرغوب عن المضاجع والمراد أنهم يقومون لعبادة الله في الليل، كما قال تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا} أي من عذابه فالخوف يحركهم للدعاء بالمغفرة والنجاة من النار {وَطَمَعًا} في رحمته وتوفيقه لحسن الخاتمة وللجنة {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} مما أعطيناهم {يُنْفِقُونَ}.

  وقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} يخص الحلال، ويبعث على الإنفاق، كقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}⁣[النور: ٣٣] وذلك أن المنفِق ينفق لله مما آتاه الله، وخصوصاً ما كان في سبيل الله، ومن الباعث على الإنفاق كونه وسيلة للتثبيت على صراط الله، وكون ثوابه مضاعفاً أضعافاً كثيرة، وخصوصاً الإنفاق في سبيل الله فالخوف يبعث على الإنفاق والطمع يبعث على الإنفاق.