التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة السجدة

صفحة 52 - الجزء 6

  بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ٢٢ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي


  {دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} قبل العذاب الأكبر فيما بينهم وبين العذاب الأكبر وهو عذاب جهنم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} تعريضاً لهم على الرجوع إلى الله حيث يقبل منهم إن رجعوا فجعل التعريض رجاء لأن الراجي يفعل السبب رجاء حصول المسبّب، كأنه قيل: رجاء أن يرجعوا، والمقصود أنه كفعل الراجي.

  فقوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} مجاز، ومن هذا العذاب ما حكاه الله تعالى في قوله: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ}⁣[المؤمنون: ٧٦] وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}⁣[الأعراف: ١٣٠].

  (٢٢) {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} {وَمَنْ أَظْلَمُ} سؤال في معنى النفي، يفيد: أنه لا أظلم {مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ} لأن عبداً ذكره الله بآياته يدعوه إلى رحمته إلى السعادة الدائمة في جنة الخلد وإلى النجاة من عذاب شديد دائم وأمر الله رسوله والمؤمنين بدعوته إلى ذلك فأعرض عن التذكير، وأعرض عن آيات ربه التي تبين له صدق الإنذار ووعد الله، فلا أظلم منه؛ لأنه عبد كفر نعمة ربه وكذب بآياته.

  {إِنَّا} أي الله ذو العظمة والجلال العزيز الحكيم {مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} إنا منتقمون من المجرمين كلهم بعذاب جهنم أو من المجرمين المذكورين، كأنه قال تعالى: إنا منهم منتقمون، فأقام الظاهر مقام المضمر ليفيد: أن سبب الانتقام إجرامهم لأن الإجرام سبب العذاب، قال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}⁣[الزخرف: ٧٤] والانتقام: العقاب.