التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأحزاب

صفحة 60 - الجزء 6

  اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ٤ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ


  (٣) {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} في أمورك وفي اتباعك لما يوحى إليك، ومخالفتك للكفار والمنافقين ومعنى توكل على الله اتخذه وكيلاً تكل إليه مهماتك لحفظك وتأييدك ونصرك، ونحو ذلك يفعل من ذلك ما يشاء، فقد وكلت أمرك إليه ونعم الوكيل {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} أعيدت للجلالة تنبيهاً على أن الوكيل هو الله الأعز الأكرم العليم القدير، فلا يخذلك وأنت عبده ورسوله قائم بأمره، ونظير هذا قول الشاعر:

  على حالة لو أن بالقوم حاتماً ... على جوده لضن بالماء حاتم

  (٤) {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} كانت الجاهلية فيها جهالات منها هذه الثلاث زعمهم أن {لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} وحكي ذلك عن اليهود وعن المنافقين، أنهم قالوا ذلك في رسول الله ÷، وزعمهم أن الزوجة التي ظاهر منها زوجها قد صارت أمّه لأجل قوله: «أنت علي كظهر أمي» وزعمهم في الدعي أنه ابن للذي يُدعى ابنه، وليس من ولده، فأبطل الله تعالى جهالاتهم كلها، وفصل الحكم في الظهار في (سورة المجادلة) وزاد تحقيقاً لنفي بنوّة الدعي.

  وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} أي لا حقيقة له ولا صحة، ويحتمل - أيضاًـ أنه لا تعتقده قلوبكم {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} فالحق أنه ما جعل لرجل من قلبين في جوفه، وأن المظاهر منها ليست أما للمظاهر، وأن الدعي ليس ابناً لمن يدعي ابنه، ولم يلده والهدى هدى الله سبحانه وله الحمد على ما هدى.