التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأحزاب

صفحة 67 - الجزء 6

  


  فأما رسول الله ÷ فرجاءه في الله أن ينصره وإن كان لا يدري كيف يكون النصر لأن الله قد وعده أن يظهر دينه، ومثله في الرجاء أخوه الإمام علي # وخاصة خلص المؤمنين معه، وكانت نيتهم صالحة لم تتغير وهمتهم الصدق في القتال وإنما يشق عليهم غلبة الخوف على من حولهم وتغير نيات بعضهم واضطرابهم وروي أن رسول الله ÷ أرسل رسولاً لينظر حال الأعداء في حالة الريح الشديدة وقال له لا تحدث شيئاً فصار بينهم في الليل كواحد منهم، فسمع أبا سفيان يذكر حالهم من شدة الريح عليهم ويأمر بالرحيل، فرآه وقد ركب بعيره معقولاً فسدد الرجل قوسه ليرميه فتذكر قول رسول الله ÷ لا تحدث شيئاً فتركه وهو يرى أن قد أمكنه قتله.

  قلت: وتبين بذلك حسن سياسة الرسول ÷ فإن هذا الرسول لو رمى أبا سفيان وقد هموا بالرحيل وفيه خلاص المسلمين من المهمة العظمى لو رماه سواء قتله أم لم يقتله لأضربوا عن الرحيل وحملهم الغضب على مباشرة القتال، وفي هذا من درس السيرة أن الواجب على المجاهدين الثبات على أمر قائدهم وفيه أن من الأصحاب من يُفسد على القائد أمره إذا لم يلتزموا طاعته.

  قال الشرفي: «وقوله: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} كناية عن غاية الشدة والحنجرة: رأس الحلقوم ... قالوا: إذا انتفخت الرئة لفزع أو غضب أو غمّ ارتفعت فيرتفع القلب بارتفاعها إلى الحنجرة» انتهى المراد.

  وفي (مفردات الراغب): «الحناجر: جمع حَنْجَرة وهي رأس الغلصمة من خارج» انتهى. وفي (الكشاف): «الحنجرة رأس الغلصمة وهي منتهى الحلقوم والحلقوم مدخل الطعام والشراب» انتهى، ولعل في ذلك غلطاً من النساخ، والأصل - والله أعلم - وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب، لأن مدخل الطعام والشراب هو المري.