التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأحزاب

صفحة 71 - الجزء 6

  فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ١٦ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ


  وقراءة {لَآَتَوْهَا} معناه: أنهم يثيرون الفتنة طوعاً للعدوّ أما قراءة {لآتَوْهَا} بمد الهمزة فمعناها: لآتوا العدو ما سألهم وأعطوه ما طلبهم من إثارة الفتنة وخدمة أهل الباطل بها.

  وقوله تعالى: {وَمَا تَلَبَّثُوا} أي بالفتنة أو بيثرب {إِلَّا يَسِيرًا} لأن الله يحفظ رسوله ÷ وينصره عليهم فيقتلهم أو يجليهم عن المدينة، ونظير هذا قوله تعالى: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}⁣[الحشر: ١٢].

  (١٥) {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} {عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} توليهم هذا {لَا يُوَلُّونَ} العدوّ {الْأَدْبَارَ} أدبارهم فقد نكثوا العهد لأنهم كانوا في مواجهة العدوّ مع رسول الله ÷ والمؤمنين المنتظرين للقتال وهم يرون العدو ويراهم العدوّ ففرّ هؤلاء الذين كانوا عاهدوا برجوعهم عن ذلك الموقف إلى بيوتهم.

  {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} يوم القيامة لأنهم أضاعوه ولم يحفظوه فيطالبون به كما يدعون إلى السجود فلا يستطيعون فهو تقريع لهم وإظهار لنكثهم في موقف الحساب.

  (١٦) {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} هذا راجع إلى قوله تعالى: {إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا} وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ ..} في إفادته أنهم فروا.

  {قُلْ} للذين فروا وفائدة هذا لهم إن أطاعوا ولغيرهم {لَنْ يَنْفَعَكُمُ} لن ينجيكم {الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ} فهو سواء الفرار من الموت والفرار من القتل، فالفرار لا يمنع الموت بل لا بد منه.