سورة يس
  نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ١٢ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣
  (١١) {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} إنما تنذر الإنذار الذي يفيد وينفع من اتبع الذكر القرآن {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} بالغيب وهو غائب عن الآخرة وما يكون فيها، لأنه قد آمن بالآخرة وما فيها من الجزاء، فهذا الذي نفعه الإنذار، وما أحسن هذا النظم قال: {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ} ليدل على أن شأنه الرحمة وإنما يعذبهم بذنوبهم.
  وقال: {بِالْغَيْبِ} لأن الآخرة وما فيها غائب عمن هو في هذه الحياة الدنيا، ولكن من آمن بوعد الله خشي الرحمن {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} وهذا من حسن النظم أيضاً لأنه يدفع الوهم أن يكون الإنذار لنهيه عن اتباع الذكر مغفرة لذنوبه التي ارتكبها قبل الإيمان، {وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} على إصغائه إلى النذير ونظره في صدقه وإيمانه {كَرِيمٍ} لأنه أجر عظيم يدل على كرم الله.
  (١٢) {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} أي أن الله سبحانه وتعالى هو القادر على ذلك دون غيره، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} وهو العالم بما فعلوا ولا ينساه، وعبر عن ذلك بالكتابة والمقصود أنه لا ينسى ما قدموا كقوله تعالى: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى}[طه: ٥٢].
  {وَآَثَارَهُمْ} لأنها من سعيهم سواء كانت آثارا حسنه أو آثاراً سيئة، والمقصود هنا: ما فعلوه وبقي بعد موتهم مثل كتاب نافع أو كتاب ضار مفسد وما سَبَّبَ له ذلك الكتاب من هدى أو ضلال فهو من آثارهم قد علمه الله ولا ينساه ليجزيهم به يوم القيامة {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} أي في كتاب بين واضح.