التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الشورى

صفحة 360 - الجزء 6

  سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ١٤ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ


  {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من توحيد الله وعبادته وحده أمر عظيم كبير ثقيل عليهم جداً {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ} يختصه بفيض من رحمته ونعمه يهديه ويبارك فيه ويؤهله ويكمله حتى يصلح للإصطفاء للرسالة، يجعله كأنه جلبه إلى نفسه واصطنعه لنفسه مثل ما قال لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}⁣[طه: ٤١].

  أو يجتبي إليه من يشاء حتى يهتدي لطاعته وعبادته ولو لم يكن رسولا، لكن الأول أظهر لأنه عَطَف عليه قوله: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} فالاجتباء يكون للرسل، والهداية لهم ولأتباعهم، المنيبين إلى الله باتباع الرسل.

  (١٤) {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} هؤلاء الأولون بنو إسرائيل وغيرهم {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} في التوراة وغيرها قد جاء هم العلم، فصار الحق واضحاً بيناً ولكنهم تفرقوا كأنه بسبب السياسات والطمع في الملك وبسبب تطويع الفكر حتى يصبح تبعا للملك وبما يستقيم به الملك وليس جهلاً بالطريقة لأن الحق واضح {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} مثل ما حدث من معاوية وخروجه وبغيه على الإمام علي #.

  {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وهي قوله: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}⁣[هود: ١١٩] اقتضت أن يخلي سبيلهم من أراد أن يؤمن ومن أراد أن يكفر {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لكان حكم بينهم وهم في الدنيا إلى أن يرجعوا عن غيهم ويتبعوا الطريق الصحيح.