التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الحديد

صفحة 48 - الجزء 7

  مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ٢٠ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ


  (٢٠) {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} لما كان الناس يتكالبون على الدنيا، ومن أجلها كفروا بالرسل وحاربوهم حفاظاً على مناصبهم بين أنها ليست إلا شيئاً حقيراً تافها لا يستحق كل هذا العناء وأن يفوت الجنة ويدخل النار من أجلها وأمرنا أن نعلم ذلك {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} أهلها في لعب ولهو، اللعب ظاهر معناه، واللهو الانهماك فيما يلهيهم عن طاعة الله، وعن العمل الصالح {وَزِينَةٌ} مما يعجب المرء التزين به من الأزياء والحلي وغيرها {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} يتفاخرون بكثرة الممتلكات {وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} كل واحد يسعى للتفوق على الآخر في المال والولد.

  {كَمَثَلِ غَيْثٍ} وكل هذا الذي من أجله يستحسنها الإنسان ويميل إليها إنما هو مثل مطر أحيا النبات {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} لأنهم لا يريدون إلا الدنيا ولا يفكرون إلا فيها فهم يعجبون بها أكثر من غيرهم، والأولى حمله على ظاهره لكون الكفار لا يؤمنوا بالآخرة فالدنيا لها وقع شديد في نفوسهم وهي عظيمة عندهم، مثل ما قال ذلك الجاهلي: {يَالَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}⁣[النساء: ٧٣] يريد الغنيمة سماها فوزاً عظيماً.

  {ثُمَّ يَهِيجُ} أنا أرجح في معنى {يَهِيجُ} على ما تقدم أنه بمعنى يتناهى في الصلاح ويتكامل ويحين وقت حصاده {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} من بعد ذلك ينتهي، تمثيل لأمور الدنيا وملذاتها مما يتفاخر ويتكاثر فيه الناس، وأنه ليس إلا مؤقتا عما قريب يكون حطاماً.