سورة الحديد
  رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٢١ مَا
  وكل ما تقدم عن الدنيا من الأوصاف فإنما ينطبق على أهلها الذين جعلوا منها غاية ولم يستغلوها كمزرعة للآخرة أما المؤمن الواعي فإنه يسخر ما يملكه من الدنيا - مهما كثر وعظم - في طاعة الله وفي سبيل الله، فهي دار صدق لمن صدقها كما قال أمير المؤمنين # في جوابه على الذام للدنيا.
  {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أمور عظيمة وأهوال شديدة تستحق أن يشغل الإنسان فكره ووقته في الدنيا بما ينجيه من عذاب الله ويبلغه مغفرته ورضوانه {وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} كذلك كما أن فيها عذاباً شديداً فيها أيضاً مغفرة ورضوان لمن سار في طريق الجنة واستقام عليه حتى النهاية والبداية هي من هنا من الدنيا {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} ليست إلا متاعاً يستمتع به فترة قصيرة ثم ينتهي؛ لأن المتاع انتفاع قصير غير مستمر بل لأمد يسير، فلهذا سمي متاعاً إضافة إلى كونه {مَتَاعُ الْغُرُورِ} يغتر به عن الآخرة.
  (٢١) {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} يأمرنا الله أن نسابق إلى المغفرة، لأن الإنسان إذا لم يسابق قد يخترمه الموت والمسابقة إلى المغفرة يكون بالمبادرة إلى التوبة والتخلص مما يجب التخلص منه {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} عندي أنه حين قال كعرض السماء والأرض أنها كروية كما هي السماء والأرض {أُعِدَّتْ} هذه الجنة {لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} ترغيب في الإيمان، والمقصود به الإيمان الكامل الذي يبعث على طاعة الله وتقواه، وعلى الحذر من النار والرغبة في الجنة.