التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الحديد

صفحة 53 - الجزء 7

  الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٢٨ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ


  {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} الذين استقاموا على دينه من الحواريين كأن المقصود هم {رَأْفَةً وَرَحْمَةً} الرأفة أبلغ في الرقة والعطف من الرحمة فجعل ذلك في قلوبهم فكانوا يهتمون بالمريض وباليتيم وبالطفل ويسعون في مواقع الرحمة {وَرَهْبَانِيَّةً} تخلياً للعبادة {ابْتَدَعُوهَا} يعني الرهبانية هذه ابتدعوها هم وهي زائدة على الذي كتب عليهم ومن أجلها تصوفوا وتركوا الزواج رغبة عن الملذات {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} يمكن أنه استثناء منقطع أي لكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} لأن فيها مشقة لما كانت تعني التفرغ الكامل للعبادة وترك أمور الدنيا {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} لأن الأساس هو الإيمان لا يقبل العمل إلا بالإيمان فالمؤمنون منهم آتاهم الله أجرهم على العبادة {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} لم يكن عملهم مقبولاً عند الله. لأنه قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}⁣[المائدة: ٢٧].

  (٢٨) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} رجع الكلام في الإيمان والحث عليه؛ لأنه في البداية قال: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} في الموجز الذي في أول السورة، ثم قال بعده: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} يذكرّ بأهمية ووجوب الإيمان بالرسول ÷ وهذا الإيمان الذي يأمر به ليس مجرد التصديق باللسان بل هو الإيمان الراسخ في القلب الباعث على اتباعه {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} نصيبين يمكن أنه نصيب مقابل الإيمان، ونصيب مقابل التقوى حين قال: {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} ويمكن أن يكون أحد الكفلين في الدنيا ثواباً عاجلاً، والثاني في الآخرة ثواب آجل