التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الملك

صفحة 151 - الجزء 7

  


  وفي (سورة الفرقان): {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}⁣[آية: ١٢] وأصل الزفير: الصوت الخارج من الحيوان مع خروج النفَس، والشهيق: الصوت الخارج مع الجذب للنفَس، والمراد: أصوات مشبهة للصوتين، فإذا رأوها من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً، وإذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً.

  وقوله تعالى: {وَهِيَ تَفُورُ} في (تفسير الإمام الهادي #): «معنى {تَفُورُ} هي تغلي بأهلها وتقلبهم في أعالي لهبها، ترفعهم تارة، وتضعهم وتشويهم تارة، وتفسخهم.

  (٨) {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} {تَكَادُ} تقطع ويبين بعضها وينفصل عن بعض من شدة غيظها على أهلها، وهذا يدل على أن لها حياة وشعوراً، ويوافقه قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}⁣[ق: ٣٠] ولا قرينة صارفة عن الحقيقة؛ لأن قياسها على الأرض لا يصح على فرض ثبوت حكم الأصل، لأن أمور الآخرة مخالِفة لأحوال الدنيا، ولأن اللّه تعالى يقول: {قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}⁣[فصلت: ٢١] والسياق في النطق الحقيقي، وقال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}⁣[العنكبوت: ٦٤].

  {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} يظهر من قوله تعالى: {فَوْجٌ} أن أهلها يلقون فيها أفواجاً، قال الإمام الهادي #: «والفوج: فهو الجماعة الكبيرة» انتهى، وقد قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا}⁣[الزمر: ٧١] وهذا يناسب كثرتهم، وفائدة السؤال تقريرهم على أنهم استحقوا العذاب ولم يبق لهم حجة، وهذا يبطل الجبر، لأنهم لو كانوا مجبورين ما كان للسؤال معنى، و (النذير): المبلغ بأنه يقع المخوف، والإنذار: الإبلاغ بوقوع الأمر المخوف.