التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الملك

صفحة 152 - الجزء 7

  شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ٩ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ١٠ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ١١ إِنَّ


  (٩ - ١٠) {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ۝ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} {بَلَى} حرف يفيد إثبات المنفي بـ (لم) {فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} أي كذبنا النذير، الذي هو الرسول المبلغ للإنذار عن اللّه تعالى، وكأنهم لتصغير باطلهم قالوا: {وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} فجعلوا جريمتهم ما فعلوا تجاه النذير، وما قالوا فيه، فهي مقصورة على النذير لم تبلغ الجرأة على اللّه والمجاهرة بالتمرد عليه، ولكن هذا لم يفدهم شيئاً.

  {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} سماع تفهّم وتعرّف للحقيقة {أَوْ نَعْقِلُ} كذلك عقل تأمّل وطلب للحق؛ لأن العقل يدعو العاقل إلى استماع الإنذار وطلب الحقيقة إن شك في صدقه، ومعنى هذا: أن يلتمس دليلاً على صدقه إن كان صادقاً، ولكنهم على العكس من ذلك أعرضوا عن الدليل على صدق النذير، وقالوا: ما نزل اللّه القرآن، الذي هو المصدق المعجز الدالّ على صدق الرسول، فكذبوا به في ضمن قولهم: {مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} تبريراً لكفرهم وتكذيبهم للرسول المنذر، ومخالفة لما يقتضيه العقل، فقالوا: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} من الأمم التي قد خلت من قبلهم وغيرهم، نظير قوله تعالى في (سورة الأعراف): {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ}⁣[آية: ٣٨] فيظهر منه: أن قوله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ..} إلى هنا في الذين كفروا بمحمد ÷، وهذا يوحي بكثرة أهل النار؛ لأن قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} يفهم منه كثرتهم، وقوله: {فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} يفيد: أنهم مكثورون ببقية أهل النار.