التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الملك

صفحة 154 - الجزء 7

  


  مع أن الجمع بينهما فيه زيادة إيضاح لأن بضدّها الأشياء تتميز، كما قال الشاعر:

  وبضدها تتميز الأشياء

  فإذا ذكرت عاقبة أهل الباطل وقرن بها ذكر عاقبة أهل الحق، كانت كل واحدة من العاقبتين تزداد وضوحاً للعاقل، بالمقابلة بينها وبين الأخرى، و (الخشية): خوف يبعث على الحذر، فهي خاصة بما يمكن الحذر منه عند الخاشي بأي وسيلة، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}⁣[فاطر: ٢٨] فهؤلاء يخافون خوفاً مقروناً بالحذر الذي هو التقوى، وقال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ}⁣[النساء: ٩] فالخشية خوفهم المؤدي إلى أن يحذروا أن يدانوا بمثل ما دانوا غيرهم أو أن يعاقبهم اللّه بظلم اليتيم الذي كان أبوه يخاف عليه كما أنهم لو تركوا يتامى خافوا عليهم لضعفهم، ولكون خشية اللّه تبعث المتقين على تقوى اللّه علق عليها الوعد هنا، وفي قوله تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}⁣[ق: ٣٣] وللتلازم بين الخوف والتقوى في معنى الخشية.

  قال الإمام الهادي # في تفسيرها: «معنى {يَخْشَوْنَ} فهو يتقون ويخافون ربهم، فهو خالقهم وسيدهم ومالكهم ومقدرهم وجاعلهم {بِالْغَيْبِ} فهو في الغيب، ومعنى في الغيب فهو في سرهم وما تغيّب من أمرهم واستتر من الناس من أفعالهم على التقوى، بخلاف الخوف الذي يحصل لأعداء اللّه يوم القيامة فهو اضطراري، فالذين يخشون ربهم بالغيب يخشونه من أجل إيمانهم بالغيب، ويراقبون اللّه في السر كما يراقبونه في العلانية، فيحذرون العصيان، ويلازمون التوبة مما مضى منهم من المعاصي، ويعاودون التوبة كلما وقعت منهم زلة، ولا يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون؛ لأن الخشية تعود فتبعثهم على المبادرة إلى التوبة كلما وقعت منهم زلة، فكلما رجعت الخشية فتحققت التوبة دخلوا في عموم هذه الآية الكريمة».