التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الملك

صفحة 156 - الجزء 7

  


  عند أهل الطب العصري وأعظم من ذلك كله خلق الروح الذي لا يعلم الناس حقيقته وماهيته على التفصيل، فكل ذلك دليل على أن الخالق تعالى بكل شيء عليم؛ لأنه بكل خلق عليم.

  وقد غلط بعض الأشعرية في احتجاجه بالآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه وتعالى؛ لأن معناها عنده، ألا يعلمها وهو الذي خلقها، وهذا التفسير دعوى منه لا يدل عليه العقل ولا اللغة العربية، والذي ذكرته أنسب لعادة القرآن التي هي الاحتجاج بقضايا العقول، أما أفعال العباد فإن العرب لا تسميها خلقاً، ولا يفهمونها من قوله: {خَلَقَ} لأنهم إنما يقولون فعل لمن حصل منه الفعل، ولا يقولون: (خلق) وكذلك القول لا يقولون لمن أوجده خلق قولاً سراً ولا جهراً إلا إذا أرادوا أنه اختلقه وافتراه، فكيف يصح تفسير قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} إلى قوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} كيف لا يعلم قولكم وهو الذي خلقه، والعرب لا تقول: (خلق القول) إلا بمعنى اختلقه، والقرآن {عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}⁣[النحل: ١٠٣] وهكذا مني الناس بالتفاسير المعطوفة على المذاهب في كثير من الآيات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل اللّه التسديد برحمته.

  {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} المناسب للسياق، أن يكون معنى {اللَّطِيفُ} هنا الذي يطلع على كل شيء لا يحجبه شيء عن شيء فلا يخفى عليه مستور في الصدور ولا في غيرها، قال الراغب في (المفردات): «ويعبر باللطافة واللطف عن الحركة الخفيفة، وعن تعاطي الأمور الدقيقة، وقد يعبر باللطائف عما لا الحاسة تدركه، ويصح أن يكون وصف اللّه تعالى به على هذا الوجه، وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور، وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم» انتهى المراد.