سورة الملك
  
  ويتنزل منها الأمر، والملائكة الذين يتنزلون بأمر اللّه إلى رسله، وغير ذلك، كما يقال للكعبة بيت اللّه، لا على معنى أنه ساكن فيها، وناسب تخصيص السماء في سياق قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} باعتبار أن محقها وخرابها يخص المشركين وآلهتهم التي يدعون من دون اللّه من الأحجار المنصوبة والتماثيل المصنوعة، فلو خسف بهم الأرض لتهاووا لأن الأرض مقرهم، أما اللّه تعالى فهو غني عن الأرض فعبر عن ذلك بقوله: {فِي السَّمَاءِ} مع أنه غني عن السماء، لكن أفكار الجاهلين بالله لا تتحمل أن يقال: من ليس في مكان، فخاطبهم بما يفهمون وعبر عن نفسه بما يعبرون مع صحة المعنى باعتبار أن كونه فيها معناه مشاهدتها وتدبيرها.
  فإن قيل: ففيه إيهام الظرفية ولا يصح؟
  فالجواب: أنه تعالى قد دل على نفسه بآياته، ودل بمخالفته للمخلوقات على كونه خالقاً غير مخلوق، فالإيهام مدفوع بالعقل والمتوهم مستند إلى الجهل وقد بين تعالى أن في كتابه آيات محكمات وأخر متشابهات، والعقل يميز بين المحكم والمتشابه، فالآية أعني قوله تعالى: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} وأمثالها من الآيات الكريمة مصحوبة بدلالة العقل والمحكم من القرآن، فلا إيهام.
  تنبيه: قد يكون الجاهل يتخيل أن اللّه في السماء، مع أنه غافل عن المسألة، وعن تقرير ذلك بقرار في نفسه، وإنما هو تخيل وقع له بدون نظر ولا استدلال ولا التفات إلى شبهة، كما نجد من أنفسنا تخيل بعض عظماء الرجال أهل الشهرة بالفضل وكرائم الخصال، مثل الشجاعة والإصلاح بين الناس والسخاء وغير ذلك، فيكون في خيالنا كبيراً، ولو سئلنا أهو كبير البدن عظيم الجسم أم صغير أم متوسط، لقلنا: لا ندري فالخيال غير الاعتقاد.